فصل: تفسير الآيات (27- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.تفسير الآيات (15- 26):

{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26)}.
التفسير:
بعد أن واجهت الآيات السابقة المشركين، بما يقع في نفوسهم من كمد وحسرة، حين تفجؤهم الساعة بأحداثها، وحين بقلت من أيديهم الطريق إلى النجاة- جاءت هذه الآيات لتعرض عليهم وجها من وجوه الضلال، فيه مشابه كثيرة منهم، وهو وجه فرعون وقد أشرنا في غير موضع إلى أن القرآن الكريم كثيرا ما يجمع بين هؤلاء المشركين وبين فرعون، إذ كانوا أشبه الناس به، عنادا، واستعلاء، وكبرا.
وقوله تعالى: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى}.
الخطاب من اللّه سبحانه وتعالى للنبى- صلوات اللّه وسلامه عليه- وفيه استدعاء له من هذا الجو الخانق الذي ينفث فيه المشركون سمومهم والذي ترمى فيه أنفاسهم بدخان كثيف من تلك النار المشتعلة في قلوبهم، كمدا، وغيظا من النبيّ ودعوته.. وفى هذا الخطاب إدناء للنبىّ الكريم من ربه جلّ وعلا، وإيناس له.
والاستفهام، يراد به الخبر.. أي لم يأتك حديث موسى.. فاستمع إليه إذن! وقد جاء الخبر في صيغة الاستفهام، لما يؤذن به الاستفهام هنا من عظيم اللطف، وكريم الإحسان من اللّه سبحانه إلى النبيّ الكريم، حتى ليخاطبه مولاه خطاب الحبيب إلى الحبيب، في رفق، ومودّة، ليقول له: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى}؟ أي أعلمت حديث موسى؟ وأ تريد أن تعلمه؟ ألا، فاستمع!! وفى هذا ما يشير إلى أن ذلك أول ما تلقاه النبيّ من آيات اللّه، من نبأ موسى وفرعون.
وقوله تعالى: {إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} أي الحديث الذي نريد أن نبلغك إيّاه من أمر موسى، هو ما كان من نداء اللّه سبحانه وتعالى، إياه، وهو بالواد المقدس {طوى}.
و{الوادي المقدس}، هو واد في أسفل جبل سيناء، من الجانب الأيمن منه، في الطريق المتجه من الشام إلى مصر.. كما يقول سبحانه: {وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا} [52: مريم] و{طوى} اسم لهذا الوادي.
قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} هو بيان لما نودى به موسى من ربه، أي ناداه سبحانه بقوله تعالى: {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ} وقوله تعالى: {إنه طغى} هو بيان لسبب الدعوة بالذهاب إليه.. إنه طغى، وتجاوز الحدود في بغيه وعدوانه، وفى كفره وضلاله.
قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى}.
وتلك هي الرسالة التي يحملها موسى من ربه إلى فرعون.
وقوله تعالى: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى} أي هل تودّ أن تتزكى، ويتطهر؟
وفى هذا الأسلوب الاستفهامى، ترفق وتلطف في الدعوة إلى اللّه، وفى مواجهة عناد المعاندين وكبر المتكبرين باللطف واللين.
إن الحكمة تقضى في مثل هذا المقام، أن يستميل الداعي إلى الحقّ من يدعوه إليه، وأن يترفق في الدخول إلى قلبه، حتى يجد منه أذنا صاغية، وقلبا واعيا، إذا كان فيه بقية من عقل، أو يقظة من ضمير.. ولو جاء الداعي إلى من يدعوه إلى العدول عن الطريق الذي هو عليه- لو جاءه آمرا، أو زاجرا، أو فاضحا لحاله المتلبس بها، لما وجد منه إلا إعراضا وازورارا، وتكرّها لسماع ما يلقى إليه من حديث، فكيف إذا كان هذا المدعوّ جبارا عنيدا كفرعون؟
ولهذا جاء قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى} راسما لموسى هذا المنهج الحكيم لدعوة هذا الجبار العنيد، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} [43- 44: طه].
وفى هذا الأسلوب القرآنى الخطة المثلى، والمثل الكامل القويم، لأصحاب الدعوات، من القادة، والزعماء، والمصلحين.. إنهم لن يبلغوا بدعوتهم مواطن الإقناع، ولن يحصلوا منها على ثمر طيب، إلا إذا جعلوا الرفق واللين سبيلها إلى الناس، والا إذا غذّوها بمشاعر الحبّ، والرغبة الصادقة في الإصلاح، وبخاصة إذا كان الداعي يدعو إلى حقّ، ويهدف إلى هدى وإصلاح: {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [145: النحل].
وليس مما يدخل في هذا الباب، المداهنة، والمخادعة، والنفاق.. فذلك كله شر، إذا اختلط بالدعوة الصالحة أفسدها، وإذا خالط الحقّ أثار الدخان الكثيف في سمائه الصافية، فغشّى على الأبصار، وحجب الرؤية عن مواقع الهدى.
قوله تعالى: {فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى}.
هنا كلام كثير محذوف، دلّ عليه المقام، أي فجاء موسى إلى فرعون ودعاه في رفق ولطف إلى اللّه، فما كان من فرعون إلا أن ردّ موسى ردّا قبيحا، وأغلظ له القول، ورماه بالكذب والجنون، فلما أراد موسى أن يدفع هذه التّهم عنه، ويثبت لفرعون أنه رسول ربّ العالمين، تحدّاه فرعون بأن يأتى بما يدلّ على أنه رسول من عند اللّه- {فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} وهى العصا وانقلابها حية تسعى.. وهى أكبر الآيات التي بين يدى موسى.
وقوله تعالى: {فَكَذَّبَ وَعَصى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى}.
هذا بيان لموقف فرعون بعد أن أراه موسى الآية الكبرى.. لقد كذب بما رأى، واتهم موسى بأنه ساحر.. ثم جمع سحرته، ولقى بهم موسى، معلنا في الناس أنه الرب الأعلى، وأن الرب الذي يدعو إليه موسى، هو رب دونه منزلة وعلوّا.. فهكذا يبلغ الضلال والسّفه بالضالين السفهاء!! وفى قوله تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى} إشارة إلى أنه بعد أن رأى الحية وأفاعيلها، وما أوقعته في قلبه وقلوب من معه- لبس ثوب الحية، فجعل يسعى في الناس مهددا متوعدا، باعثا الرعب والفزع في القلوب، حتى يخرج منها هذا الفزع الذي استولى عليها من حيّة موسى.
قوله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى} هذه هو ختام القصة.. لقد انتهت بهزيمة فرعون، وخزيه، وفضح ربوبيته على أعين الناس.. ثم لم يقف الأمر عند هذا، بل أخذه اللّه بالعذاب في الآخرة، بأن أعد له أسوأ مكان في جهنم، كما أخذه بالعذاب في الدنيا بأن أماته شرّ ميتة، بأن أهلكه غرقا، ثم ألقى جثته المتعفنة على الشاطئ، وقد عافت حيوانات البر أن تطعم منها، بل ظلت هكذا عبرة وعظة، في هذا الإله المتعفن، الذي يزكم الأنوف ريحه النتن، {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [92: يونس] وقدّم نكال الآخرة على نكال الأولى، لأن عذاب الآخرة أشد وأقسى، لا يكاد ما لقيه فرعون من عذاب في الدنيا يعدّ شيئا بالنسبة سيلقاه لما في الآخرة.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} أي إن في هذا الحديث، وفى الأحداث التي يعرضها القرآن، لعبرة وعظة، لمن كان له عقل يرى به مصير أهل السوء والضلال، فيخشى على نفسه مثل هذا المصير، فيباعد بينها وبين السوء والضلال.

.تفسير الآيات (27- 41):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41)}.
التفسير:
تجيء هذه الآيات، بعد هذا العرض الذي عرضت فيه الآيات السابقة- في إيجاز- قصة موسى وفرعون، وما لقى فرعون من خزى وبلاء في الدنيا، وما أعد له في الآخرة من عذاب أشد خزيا، وآلم وقعا من كل عذاب- تجيء هذه الآيات، لتلقى المشركين، بقوة اللّه سبحانه وتعالى، وليرى المشركون كيف تجليات هذه القدرة، وكيف آثارها، وأنهم ليسوا أربابا، كما ظن فرعون في نفسه أنه ربّ، وربّ أعلى.
قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها}؟
أي ما قوتكم أنتم أيها المشركون مع قوة اللّه؟ وأين قوتكم من قوة بعض مخلوقات اللّه؟
أأنتم أشد خلقا وقوة أم السماء؟
فمن بنى هذه السماء؟ ومن أقامها سقفا مرفوعا فوقكم؟
اللّه بناها، واللّه رفع سمكها، أي قامتها، واللّه سواها، على هذا النظام البديع، وما تتزيّن به من كواكب ونجوم.
وقوله تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها} واللّه- سبحانه- هو الذي أغطش، أي أظلم ليلها، أي ليل هذه السماء، وفى إضافة الليل إلى السماء، إشارة إلى أن الليل إنما يرى كونا معتما، مطبقا على الأرض.. فهو ليل السماء، التي أطفئ سراجها، وهو الشمس.
واللّه- سبحانه- هو الذي أخرج ضحى هذه السماء، وأضاء سراجها، وأوقده، بعد أن أخرجه من عالم الظلام.
والإشارة إلى الضحى، من بين أوقات النهار، إلفات إلى الوقت الذي يمتد فيه نور الشمس، فيغمر الآفاق كلها.. وهو ما يسّمى رائعة النهار.
قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ}.
أي واللّه سبحانه، هو الذي دحا الأرض، وبسطها، بعد أن رفع السماء وسواها.
وهو سبحانه الذي أخرج من هذه الأرض الماء الذي فيه حياة كل حى.
وبهذا الماء أخرج اللّه المرعى، أي ما يأكله الناس والأنعام.
والماء الذي يخرج من الأرض، هو من هذا الماء الملح، الذي سخرته القدرة الإلهية، ليكون بخارا، فسحابا، فمطرا، فماء عذبا تفيض به الأنهار، وتتفجر منه العيون.. وكما أخرج اللّه سبحانه الماء والمرعى من الأرض، أرسى فيها الجبال لتمسكها وتحفظ توازنها.
وقوله تعالى: {مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} هو مفعول له، أي دحا اللّه الأرض وأخرج منها الماء والمرعى، متاعا لكم ولأنعامكم وزادا تتزودون به لحياتكم وحياة أنعامكم.
وفى جعل المرعى متاعا للناس والأنعام- إشارة إلى أن الناس والأنعام سواء في هذا الرزق الذي أخرجه اللّه سبحانه وتعالى من الأرض، وأن العقل الذي امتاز به الناس على سائر الحيوان، ليس هو الذي يفيض عليهم هذا الرزق، وإنما هو فضل من فضل اللّه، ورزق من رزقه! إنهم يرزقون من فضل اللّه كما ترزق الأنعام.. سواء بسواء.
قوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} أي فإذا وقعت الواقعة، وجاء اليوم الموعود، الذي هو طامة كبرى، وبلاء عظيم على أهل الضلال والفساد، والذي يتذكر فيه كل إنسان ما عمل من خير وشر، وبرزت الجحيم، أي ظهرت بارزة واضحة لمن كانت له عينان يبصر بهما- إذا كان كل ذلك، حوسب الناس على ما عملوا، ولقى كل عامل جزاء عمله.
فجواب الشرط محذوف، دل عليه ما بعده من قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا}.
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى} أي أنه إذا حوسب الناس، اختلفت منازلهم، حسب أعمالهم.. فأما من طغى واستكبر، وسلك مسلك فرعون، وآثر الحياة الدنيا، ولم يعمل للآخرة عملا- فإن جهنم هي مأواه، ومنزله الذي يأوى إليه.
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}.
أي وأما من خشى ربه، وخاف حسابه وعذابه، وصرف نفسه عن هواها، ابتغاء مرضاة اللّه- فإن الجنة مأواه، ومنزله الذي بهنأ فيه بنعيم اللّه ورضوانه.
وفى قوله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى} إشارة إلى أن لأهواء النفس سلطانا قاهرا، وأنه إذا لم يقم الإنسان على نفسه ناهيا ينهاها، وزاجرا يزجرها عن اتباع هواها كلما دعتها دواعيه- انقاد لهذا الهوى الذي يغلبه على أمره، ويطرحه في مطارح الضلال، والهلاك.

.تفسير الآيات (42- 46):

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46)}.
التفسير:
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها} أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها أي يسألك المشركون أيها النبي، عن القيامة: متى موعدها؟ ومتى تلقى مراسيها على الشاطئ الموعود؟
وفى قوله تعالى: {أَيَّانَ مُرْساها} إشارة إلى أن الحياة الدنيا، أشبه بسفينة أقلعت بالناس، آخذة مسيرتها بهم على أمواج الزمن، حتى تلقى بهم على الشاطئ الآخر، المقابل للشاطئ الذي أقلعت منه سفينتهم.. فكأنهم يقولون: متى ترسو بنا سفينة الحياة على مرفأ هذا اليوم الموعود؟ إنهم يسألون سؤال المنكر المستهزئ.
وقوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها}.
أي في أي شيء أنت أيها النبي من ذكرها لهم؟ إنك لا تدرى ما جواب هذا السؤال الذي يسألونك فيه عن يومها، لأنك لم تسأل ربك هذا السؤال، ولم تشغل نفسك به، ولم تتكلف له جوابا، لأنه ليس الذي يعنيك من هذا اليوم موعده، وإنما الذي أنت مشغول به منه، هو لقاؤه، والإعداد له.. وهو آت لا ريب فيه.
قوله تعالى: {إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} أي أن أمر الساعة عند اللّه، وإليه منتهى مسيرة الناس إليها، لا يعلم أحد متى يكون ذلك.. كما يقول سبحانه: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [187: الأعراف] قوله تعالى: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} أي أنه ليس لك أن تسأل عنها، ولا أن تجيب السائلين عن سؤالهم عن يومها، فليس ذلك من رسالتك، وإنما رسالتك هي أن تنذر بها، وتحذّر منها، من يخشاها، ويعمل حسابها، ويعدّ نفسه ليومها.
قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}.
أي أن هؤلاء الذين يسألون عن الساعة، ويستعجلون يومها، استهزاء، واستخفافا، دون أن يعدّوا أنفسهم لها- هؤلاء سيعلمون حين تطلع عليهم أن رحلتهم إليها لم تطل، وأنهم لم يلبثوا في دنياهم إلا عشية ليلة، أو ضحى هذه الليلة.